لا يمكن النظر إلى مستقبل الجزائر، بل ومستقبل أي بلد من خلال القراءة التحليلية الإستشرافية، كجملة من المؤشرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كونها تمثل في مفردها أو في مجموعها عاملا أو موردا يمكن استثماره وتحويله إلى عامل أو فاصل في صناعة الثروة، وفي صناعة المعرفة، وبالتالي في صناعة التطور، ولكن مع كل هذه الأهمية هناك مورد آخر يعتبر أكثر حسما في قراءة واستشراف الملامح وتحرير مستقبل البلد وهو الطفولة، التي قد يطلق عليها أحيانا "الثروة البشرية" أو "الموارد البشرية"،التي بات الرهان الأكبر عليها في إحداث التنمية.
لهذا وجدنا الهيئات والمؤسسات والدول تصرف وتستثمر الأموال الضخمة، وتضع الخطط والبرامج للنهوض بالطفولة، والتكفل بها ورعايتها وتأهيلها تربويا وروحيا ونفسيا واجتماعيا وفكريا، بما يساهم في بناء شخصيتها البناء السليم، ويوفر لها الأجواء النفسية والاجتماعية والمادية، التي تمكنها من تطوير قدراتها وتفتيق إمكاناتها، ويجعلها قادرة على رفع كل التحديات والاستجابة لمختلف المتطلبات.
إن هذا النوع من الاستثمار هو الذي بات يطلق عليه الاستثمار في "المادة الرمادية" التي بإمكانها أن تصنع العجائب فيما بعد، في مختلف المجالات، فهو الاستثمار الرابح بكل المقاييس.
ولذلك كان من اللائق أن يولي من القطاع الأهمية القصوى، وتسخر له أحسن الإمكانات ويستعان فيه بأفضل الخبراء، وينبري له أهل الفكر والرأي في المجتمع، ليتحول فيما بعد إلى قضية وطن وهم مجتمع لا مكان فيه للارتجالية والتخبط.
لقد تعاظم دور وأهمية هذا القطاع وهذه الفئة من المجتمع، إلى درجة أن دوائر الرصد وهيئات البحث ومراكز الدراسات، كثيرا ما أصبحت تعتمد بوضعية الطفولة والتمدرس ومستوى التربية والتعليم بدراسة راهن ومستقبل المجتمع.
بل إننا كثيرا ما شهدنا دولا ومجتمعات تعرف كبوات وانكسارات كبرى، لكنها عندما تحسن التفاعل مع الوضع بالنظر والتطلع إلى مستقبلها بعين الواقعية والموضوعية، بعيدا عن كل أنواع الإرتهانات، فتهتم بطفولتها التي هي أساس ومؤشر مستقبلها فسرعان ما تنهض من كبوتها وتكسب رهان تقدمها.
إن الجزائر ومباشرة بعد تحقيق الاستقلال كان يمكنها أن تنظر للمستقبل بتبصر وتستثمر كل إمكاناتها، وعلى رأسها العنصر البشري المتمثل في الجيل الذي يصنع المستقبل بصناعة الاستقرار والتقدم والازدهار، صحيح أن تركة سنوات الاستعمار كانت ثقيلة وباهظة لكن مع ذلك التفاعل لم يكن مستوى متطلبات المرحلة، والاستجابة لم تكن في مستوى التحدي، والدليل على ذلك أنه بعد أكثر من أربعة عقود أو ما يقارب النصف قرن ما يزال قطاع الطفولة إلى اليوم يعاني شتى أنواع النقائص والإشكالات، بل إن ما تشير إليه الدراسات والإحصاءات لا يعكس تماما المؤشرات الإيجابية المطلوبة لكل إقلاع تنموي يعول على هذا النوع من الاستثمار في المورد البشري. بل أكثر من ذلك إذ الملاحظ حسب نسبة التقارير والإحصاءات أن واقع الطفولة تتمدده مؤشرات مأساوية وانتهاكات خطيرة، كظاهرة العنف والاختطاف.
وإن كان الأطفال في الجزائر يمثلون ثلث السكان، فإن الأرقام والإحصاءات المتعلقة بالانتهاكات والمعاناة في حق هذه الشريحة تدعو إلى القلق والاستنفار، حيث تشير البعض منها إلى أن 10% من هذه الشريحة محرومة من الدراسة، البعض منهم انقطع عن الدراسة في سن مبكرة بسبب الفقر والظروف الاجتماعية القاسية، والبعض منهم لم يدخل المدرسة إطلاقا، وأمام هذه الوضعية الخطيرة لم تكن أمامهم إلا الظروف الصعبة والمعاناة، والبعض منهم وجد نفسه فريسة للعمل غير الشرعي قبل السن القانونية، والبعض انخرط فيما يعرف بجنوح الأحداث، والبعض الآخر لم يجد بد من رعي الأغنام، والبعض الآخر تحول إلى ما يعرف بالباعة الصغار في الشوارع، تراهم في مناظر مأساوية يحملون أكياسا من الخبز اليابس على ظهورهم متنقلين به بين الأزقة، وفي أحسن الأحوال يبيعون السجائر على الأرصفة والطرقات، كما بينت أرقام ودراسات إلى أن هذه الفئة التي تحول إلى ما يسمى بأطفال الشارع ما يقارب 50% منهم يعيشون من التسول، و15% من السرقة، وبين كل هذا وذاك إن سلموا من الأمراض النفسية والجلدية وغيرها لم يسلموا من حبوب الهلوسة والمخدرات. والأكثر من هذا بل حتى من أولئك الذين لم يتخطفهم الشارع فإن الأرقام تقول بأنه ما يقارب 50% من الأطفال يعانون سوء التغذية!
الأكيد أن بعض الأرقام والإحصاءات حول وضع الطفولة في الجزائر ليس على ما يرام، وبالتالي ما يزال هناك الكثير من العمل في مجال الحماية القانونية، وتلبية مختلف الحاجيات في مجال التربية والتعليم والرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية، وحماية الطفولة من كل الأخطار والانتهاكات، حتى يمكن أن نتكلم عن تأهيل لهذا المجال الحيوي، والذي يكون في مستوى الخدمات القادمة ويستجيب لمختلف المتطلبات.
********************************
عثمان نجاري عن مجلة جمعية الارشاد والاصلاح الجزائرية
لهذا وجدنا الهيئات والمؤسسات والدول تصرف وتستثمر الأموال الضخمة، وتضع الخطط والبرامج للنهوض بالطفولة، والتكفل بها ورعايتها وتأهيلها تربويا وروحيا ونفسيا واجتماعيا وفكريا، بما يساهم في بناء شخصيتها البناء السليم، ويوفر لها الأجواء النفسية والاجتماعية والمادية، التي تمكنها من تطوير قدراتها وتفتيق إمكاناتها، ويجعلها قادرة على رفع كل التحديات والاستجابة لمختلف المتطلبات.
إن هذا النوع من الاستثمار هو الذي بات يطلق عليه الاستثمار في "المادة الرمادية" التي بإمكانها أن تصنع العجائب فيما بعد، في مختلف المجالات، فهو الاستثمار الرابح بكل المقاييس.
ولذلك كان من اللائق أن يولي من القطاع الأهمية القصوى، وتسخر له أحسن الإمكانات ويستعان فيه بأفضل الخبراء، وينبري له أهل الفكر والرأي في المجتمع، ليتحول فيما بعد إلى قضية وطن وهم مجتمع لا مكان فيه للارتجالية والتخبط.
لقد تعاظم دور وأهمية هذا القطاع وهذه الفئة من المجتمع، إلى درجة أن دوائر الرصد وهيئات البحث ومراكز الدراسات، كثيرا ما أصبحت تعتمد بوضعية الطفولة والتمدرس ومستوى التربية والتعليم بدراسة راهن ومستقبل المجتمع.
بل إننا كثيرا ما شهدنا دولا ومجتمعات تعرف كبوات وانكسارات كبرى، لكنها عندما تحسن التفاعل مع الوضع بالنظر والتطلع إلى مستقبلها بعين الواقعية والموضوعية، بعيدا عن كل أنواع الإرتهانات، فتهتم بطفولتها التي هي أساس ومؤشر مستقبلها فسرعان ما تنهض من كبوتها وتكسب رهان تقدمها.
إن الجزائر ومباشرة بعد تحقيق الاستقلال كان يمكنها أن تنظر للمستقبل بتبصر وتستثمر كل إمكاناتها، وعلى رأسها العنصر البشري المتمثل في الجيل الذي يصنع المستقبل بصناعة الاستقرار والتقدم والازدهار، صحيح أن تركة سنوات الاستعمار كانت ثقيلة وباهظة لكن مع ذلك التفاعل لم يكن مستوى متطلبات المرحلة، والاستجابة لم تكن في مستوى التحدي، والدليل على ذلك أنه بعد أكثر من أربعة عقود أو ما يقارب النصف قرن ما يزال قطاع الطفولة إلى اليوم يعاني شتى أنواع النقائص والإشكالات، بل إن ما تشير إليه الدراسات والإحصاءات لا يعكس تماما المؤشرات الإيجابية المطلوبة لكل إقلاع تنموي يعول على هذا النوع من الاستثمار في المورد البشري. بل أكثر من ذلك إذ الملاحظ حسب نسبة التقارير والإحصاءات أن واقع الطفولة تتمدده مؤشرات مأساوية وانتهاكات خطيرة، كظاهرة العنف والاختطاف.
وإن كان الأطفال في الجزائر يمثلون ثلث السكان، فإن الأرقام والإحصاءات المتعلقة بالانتهاكات والمعاناة في حق هذه الشريحة تدعو إلى القلق والاستنفار، حيث تشير البعض منها إلى أن 10% من هذه الشريحة محرومة من الدراسة، البعض منهم انقطع عن الدراسة في سن مبكرة بسبب الفقر والظروف الاجتماعية القاسية، والبعض منهم لم يدخل المدرسة إطلاقا، وأمام هذه الوضعية الخطيرة لم تكن أمامهم إلا الظروف الصعبة والمعاناة، والبعض منهم وجد نفسه فريسة للعمل غير الشرعي قبل السن القانونية، والبعض انخرط فيما يعرف بجنوح الأحداث، والبعض الآخر لم يجد بد من رعي الأغنام، والبعض الآخر تحول إلى ما يعرف بالباعة الصغار في الشوارع، تراهم في مناظر مأساوية يحملون أكياسا من الخبز اليابس على ظهورهم متنقلين به بين الأزقة، وفي أحسن الأحوال يبيعون السجائر على الأرصفة والطرقات، كما بينت أرقام ودراسات إلى أن هذه الفئة التي تحول إلى ما يسمى بأطفال الشارع ما يقارب 50% منهم يعيشون من التسول، و15% من السرقة، وبين كل هذا وذاك إن سلموا من الأمراض النفسية والجلدية وغيرها لم يسلموا من حبوب الهلوسة والمخدرات. والأكثر من هذا بل حتى من أولئك الذين لم يتخطفهم الشارع فإن الأرقام تقول بأنه ما يقارب 50% من الأطفال يعانون سوء التغذية!
الأكيد أن بعض الأرقام والإحصاءات حول وضع الطفولة في الجزائر ليس على ما يرام، وبالتالي ما يزال هناك الكثير من العمل في مجال الحماية القانونية، وتلبية مختلف الحاجيات في مجال التربية والتعليم والرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية، وحماية الطفولة من كل الأخطار والانتهاكات، حتى يمكن أن نتكلم عن تأهيل لهذا المجال الحيوي، والذي يكون في مستوى الخدمات القادمة ويستجيب لمختلف المتطلبات.
********************************
عثمان نجاري عن مجلة جمعية الارشاد والاصلاح الجزائرية
الأحد يونيو 28, 2009 2:23 am من طرف Admin
» فضلا...أدخل هنا قبل أن تضع مشاركتك
الأحد يونيو 28, 2009 2:22 am من طرف Admin
» التنويم المغناطيسي
السبت يونيو 27, 2009 2:21 pm من طرف wahid
» سر نجاح العلاقات الزوجية
السبت يونيو 27, 2009 12:27 pm من طرف zaki
» نص رسالة الشيخ عبد المحسن العباد الى خوارج الجزائر
الخميس يونيو 25, 2009 6:36 pm من طرف حامل المسك
» رسول الله يصف الخوارج .. فاحذروهم
الخميس يونيو 25, 2009 6:30 pm من طرف حامل المسك
» العلامة عبد المحسن العباد البدر
الخميس يونيو 25, 2009 6:10 pm من طرف Admin
» دعوة الشيخ "العباد" لحقن دماء العباد في الجزائر .
الخميس يونيو 25, 2009 6:06 pm من طرف Admin
» فرقة الخوارج ..الافكار والعقائد(منقول)
الخميس يونيو 25, 2009 5:45 pm من طرف Admin